مدينة الجوائز اليابسة: تيفلت تحتفل والعطش يحتج

0

نورالدين الشضمي

في مشهد يختلط فيه العبث بالسخرية، تعيش مدينة تيفلت للأسبوع الرابع على التوالي أزمة عطش خانقة، بينما اختار رئيس الجماعة، عبد الصمد عرشان، أن يلبس حلّة الاحتفال، ويعقد ندوة صحفية للاحتفاء بما سُمّي بـ”الجائزة الوطنية للماء”… جائزة تُمنح في غياب الماء!

داخل قاعة “دار المواطن”، ترددت شعارات من قبيل “التدبير الرشيد” و”الوعي الاستباقي”، في حين كانت عشرات الأحياء خارج القاعة تغرق في العطش، لا ترى الماء إلا لساعات معدودة، وأحياناً تنقطع عنه ليوم كامل. حتى المرافق الحيوية، من مستشفيات ومساجد، لم تسلم من الانقطاعات المتكررة.

وبينما ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي بشكاوى السكان، وتناقلت الصور مشاهد “السيتيرنات” وهي تجوب الأزقة، فتحت أبواب القاعة أمام الصحافة الوطنية، التي تجهل في الغالب عمق الأزمة المحلية، وتم في المقابل تهميش الصحافة المحلية التي تواكب يومياً هذه المعاناة. لم يكن الهدف من الندوة كشف خطة إنقاذ أو تقديم توضيحات، بل تسويق “حفل تقدير” لمجهودات غير مرئية في قطاع الماء!

رئيس الجماعة، عبد الصمد عرشان، لم يقدّم إجابات مقنعة عن أسباب الانقطاعات المتكررة، وفضّل توجيه معظم حديثه للرد على المعارضة، مُحولاً النقاش من البحث عن الحلول إلى معركة سياسية، لا تهمّ الساكنة في شيء.

سكان تيفلت لا يعنيهم صراع الأغلبية والمعارضة، بقدر ما يعنيهم إيجاد حلّ عاجل لمشكل اجتماعي يومي يؤثر على حياتهم بشكل مباشر.

أكثر من 30 حيّاً يعاني من انقطاع تام أو ضعف حاد في ضغط الماء. صهاريج التوزيع باتت “الحل البديل”، حتى في قلب المدينة، في مشهد لا يليق بمدينة تبعد فقط 50 كيلومتراً عن العاصمة الرباط.

معطيات من داخل المكتب الجهوي للماء تفيد بوجود اختلالات كبيرة في البنية التحتية، إلى جانب ضعف في التنسيق بين الشركة المفوض لها تدبير القطاع والمجلس الجماعي. وتشير تسريبات غير رسمية إلى أن أقل من 15% من الميزانية المخصصة للماء برسم سنة 2024 قد تم صرفها فعلياً، دون أن تظهر أي نتائج على أرض الواقع.

في أحياء المدينة، خاصة تلك الواقعة في المرتفعات، قد تصل مدة الانقطاع اليومي إلى 16 ساعة. ما يطرح أسئلة حارقة: من قرّر منح هذه الجائزة؟ وبأي معايير؟ وهل من المنطقي صرف المال على تنظيم حفل، في حين تتآكل الشبكة وتنهار أمام حرارة الصيف؟

في الوقت الذي كان فيه المواطنون ينتظرون بلاغاً يشرح الوضع، أو توضيحاً يطمئنهم، خرجت الجماعة تحتفل بإنجاز لا يشعر به أحد. لا حديث عن خطة استعجالية، ولا عن تواصل رسمي، فقط صمت… في زمن الصنابير اليابسة.

أزمة الماء في تيفلت لم تعد فقط مشكلة تقنية، بل أصبحت عنواناً لفشل في التواصل والتدبير. سكان المدينة لا يطالبون بجوائز، ولا بحفلات… كل ما يطلبونه ببساطة: الماء.

قد يعجبك ايضا

اترك رد