قصة حاجٍّ قضَى مناسكه على نفقة مُرتكب معصية!

0

بعدما إنتشرت قصة المواطن الفقير من غانا، الذي تكلّفت تركيا بسفره لأداء مناسك الحج، إستجابة لنداء أطلقه عبر طاقم تصوير، والبقية تعرفونها. بعد هذا الحدث، إرتَأيتُ أن أقُصّ عليكم واقعة مدهشة، بل غاية في الروعة، بطلها حاجٌّ عائد لتوّه من الديار المقدسة، إلتقيته في ساحة مطار محمد الخامس، وأنا أنتظر خروج الوالد رحمة الله عليه من صالة المطار قادما إليها من مكة المكرمة.

كنت واقفا ضمن أفراد عائلتي في حلقةٍ، نترقبُ خروج الوالد من صالة المطار، وكُنا نتحدث في غالب الوقت بالأمازيغية، أيام كانت ساحة المطار تعجّ بالسيارات والشاحنات مُحملة بذوي الحجاج وأقاربهم من كل حدب وصوب، وكلّ حزب بما لديهم من عادات وتقاليد مُعلنون، وما هي إلا برهة من التّردّدّ حتى قصدني -والمقصود الله- رجل في حدود الستين من عمره أو ما يفوق، كان قد إسترعى إنتباهي جلوسه العفوي على الأرض، مفترشا كيسا أبيضا خاصا بتعبئة مادة "السانيدة" مملوءا بأغراضه، يظهر من هندامه الأبيض المتواضع وحاجياته المتناثرة حوله، أنه حاجٌّ من الطبقة الشعبية الدّنيا!

مباشرة خاطبني بالأمازيغية، مُلَوحا لي بلغز بليغ، مفادُه أنه إستطاع بفضل رجل غريب، أن يسافر من المغرب إلى السعودية، ويقطع آلاف الكلومترات جوّا، ولكنه اليوم لم يقوى على العودة برّا مسافةَ أميالٍ معدوداة من مطار محمد الخامس إلى بيته في أطراف مدينة الدار البيضاء، حينها عَرضتُ عليه إن كان بوسعي تقديم مساعدة، فأشار إلى هاتفي النقال، ثم طلب مني الإتصال بثابت أحد جيرانه في الحيّ الذي يقطنه، وذلك من أجل أن يتكلف المُنادَى عليه بإخبار أبناءه، أن أباهم رجع لتوِّهِ من الحج، ولكنه لا يملك ما يقتني به سيارة أجرة، على أمل أن يتعاونوا معه بمعرفتهم في فكّ شيفرة هذا اللغز المالي المحيّر!

لقد أكرمنا الله حينها بقضاء حاجة الرجل، عندما أثبَتَت المكالمات التي أجريتها مع جاره أن السيد فقير مُعوز، ليس في مقدور أبنائه تلبية رغبته، ونحن نتحدث هنا عن سنوات التسعينات! ولكن دعونا نُحيلكم على أغرب ما في القصة عوض الغوص في الجزئيات المادية، ألا وهو الرجل عجيبُ الأطوار سببُ الرحلة إلى الحج!

حسب إفادات صديقنا الحاج، فقد حصل مُراد الله عز جلاله بمتجر عصري، على إثر عملية دفع لعربة السوبير ماركيت، مباشرة بعد أن أدّى قيمة محتوياتها شخصٌ أسمرُ اللون، بحيثُ تلاها عند الإنتهاء من تفريغ المقتنيات في حقيبة السيارة الخلفية، بما في ذلك قنينات الخمر والنبيذ، أن ناوَل الأسمرُ نظيرَ الخدمة ورقتان من فئة عشرة دراهيم لصديقنا العامل، وهو يُهَمهِم بكلمات غير مفهومة عدا كلمة "بَّا الحاج"! وبما أن الرجل الأسمر كانت تنبعث منه رائحة الخمر، فقد حاول صاحبنا تركه بسَلاسَة للعودة إلى حال سبيله، حينما أبلغه شاكرا إياه على البقشيش، أنّهُ لم يحُجّ بعد!

هنا حصلت المعجزة، عندما مدَّ الرجل الأسمر يَده، ثم وَضعها على كتف صديقنا، مخاطبا إيّاه، إن كان فِعلا يوَدُّ الحج إلى بيت الله، فلم يتردّد هذا الأخير في الإفصاح عن شَوْقه وتَشوّقه لزيارة المقام، كلّ هذا دون أدنى إعتبار لحالة السُّكْر مُكتملة الأركان، التي تُعَدُّ من خصوصيات الأول حسب تَقييم صاحبنا للوضع، وعلى الفور أمَره الرجل بجلب نسخة من بطاقته الوطنية، وكذلك كان، ليزورهم في المتجر بعد مدة كافية لنسيان الأمر مبعوثٌ من الرجل الأسمر، مُكلفٌ بمهمة الإشراف على إجراءات سفر العامل البسيط لقضاء مناسك الحج.

في نهاية الأمر، تَحقّقت أمنية حمّالٍ مشتاق على يدِ عابرِ سبيل عصى الله في ساعة غفلة، مِن باب لِله في خلقه شؤون. مؤمن بسيطٌ لم تَحجُب عنه معصيةٌ زائلة حِكمة وعَظمة ربّ الكون، ونحن لحد الساعة نستعمل وسائل عديدة لقضاء حوئجنا، ليست بالضرورة من صنع المسلمين، ولا كانت كذلك بالمرّة، وهذه خُلاصة القصة بين سطور قول العزّة، على إعتبار أن السّلطان هو العلم، كما هو قبل كل شيء قدرة الله وتَمْكينُه : ﴿ يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان.﴾ صدق الله العظيم.

أما أنا فأرجوا الله أن لا أكون قد اخطأت التَّدَبُّر والتقدير، لأنه وحدَهُ عالم الغيب والشهادة، يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ.

قد يعجبك ايضا

اترك رد